ومضات عن أجداد آل بوعينين
(المنذر بن ساوى الدارمي التميمي وابنه خُليد)
مقدمة :
رغم البحث الطويل عن حياة ملك البحرين المنذر بن ساوى الدارمي التميمي و تسلسل نسبه إلى بني عبدالله بن دارم التميمي إلا انه أسعدني وابن عمي الأستاذ عادل بن مبارك الراشد آل بوعينين أن نُلم بجوانب و ومضات تاريخية بعد أن تم تواصلنا مع الدكتور حسن الحسيني عبر هاتفه الشخصي ومن خلال التواصل معه في أحد البرامج التاريخية في إذاعة البحرين عام 2009 م حول موضوع رسالة الدكتوراة التي عنونها وأهداها إلى المنذر بن ساوى عظيم البحرين ، وقد سُر كثيراً عندما علم بأن آل بوعينين هم من ذُرية ابنه خُليد الذي سكن بلدة عينين فنُسب اليها وعُرف بلقب (خُليد عينين). وأفادنا بأن مملكة البحرين تدرس تصوير مسلسل سينمائي من 30 حلقه عن حياة ملك البحرين المنذر بن ساوى التميمي وابنه خُليد يضاهي المسلسل التاريخي (القادسية) ومن المحتمل أن يتم تصوير ذلك المسلسل في سوريا وذلك بقصد إثبات عروبة البحرين وتفنيد ادعاءات ايران بالبحرين، ولكن قدر الله ان ترتبك الأوضاع الأمنية في سوريا فتم تأجيل تصوير ذلك المسلسل التاريخي إلى أجل ٍ غير معلوم. وتبقى رسالة الدكتور حسن الحسيني عن المنذر بن ساوى التميمي بمعلوماتها المفيدة بهذا الرابط:
ولقد تحدث الدكتور حسن الحسيني بإسهاب عن المنذر بن ساوى التميمي رغم مروره مر الكرام بذكر ابنه الصحابي الجليل والشاعر الفحل والقائد الإسلامي الفذ الذي حارب المرتدين وغزا فارس بحراً ، ثم بدأ يتلاشى اسمه من خُليد بن المنذر بن ساوى ويظهر بلقبه المشهور (خُليد عينين) دون أن تتغير صفاته من الكرم والشجاعة وفصاحة البيان وقوة الشعر .
فتم تخصيص هذه الومضات الموجزة عن حياة ونسب خُليد عينين الذي التبس فيه الكثير من المؤرخين والنسابة القدماء والحديثين وكذلك شعره الذي انتحله بعض معاصريه ونُسب لغيره خطأً و أيضاً جوده وكرم ضيافته وكذلك شجاعته التي بدأها واختتمها بالحروب والمعارك ضد الكفر والشرك مع المرتدين عن الإسلام بشرق الجزيرة العربية وضد أهل الكفر المجوس بفارس و بوجه الظلم والاستبداد و جبروت و طغيان الحجاج بن يوسف الثقفي بالعراق وخرسان .
نسـبه :
هو خُليد بن المنذر بن ساوى بن الأخنس بن بيان بن عمرو بن عبدالله بن زيد بن عبدالله بن دارم (بحر) بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة (عمرو) بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان من ذُرية اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليهما وعلى نبينا محمد افضل الصلاة و أزكى التسليم .
مولده ونشأته :
ولد خُليد بن المنذر في هجر عاصمة اقليم البحرين شرق الجزيرة العربية و ربما كانت ولادته قبل الهجرة بعامين أو ثلاثة، فاهتم والده بتعليمه مكارم الأخلاق والشيم والأدب وفنون الفروسية منذ نعومة أظافره حتى نبغ في تلك العلوم و أصبح من فحول شعراء العرب كما صنفه المؤرخين ومؤلفي المعاجم الأدبية والتاريخية القديمة .
إسـلامه :
كان و والده وقومه بني دارم من أوائل من أسلم في شرق الجزيرة العربية ، فقد استلم والده المنذر بن ساوى التميمي (ملك البحربن) رسائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي بعث له بها بواسطة العلاء بن الحضرمي عام 8 هـ ، كما بعث النبي لجميع ملوك العالم آنذاك برسائل يدعوهم بها إلى الإسلام ، فأسلم المنذر بن ساوى و أهل بيته وقومه ومن حوله من القبائل، ومن رفضوا الإسلام فرض عليهم الجزية ، وتوفي المنذر بن ساوى عام 11 هـ بعد وفاة النبي محمد بشهر وقيل شهرين ، ويذكر مؤلف كتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) أن لـخُليد بن المنذر وفادة مع قومه ضمن وفود البحرين على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة فعده من الصحابة .
محاربة المرتدين:
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ارتدت العديد من قبائل الجزيرة العربية عن الإسلام وبعضها رفض دفع الزكاة ، فتصدى لهم الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وثبت خُليد بن المنذر وقومه على إسلامهم و وقفوا إلى جانب العلاء بن الحضرمي في محاربة المرتدين عن الإسلام بشرق الجزيرة العربية حتى نصرهم الله عليهم .
حربه ضد الفرس :
في عام 17 هـ أراد والي البحرين العلاء بن الحضرمي محاربة الفرس بحراً كما كان سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه يحاربهم براً في العراق ، فجهز العلاء بن الحضرمي جيشاً من بني تميم و عبدالقيس وقبائل اخرى و أوكل قيادتها العامة إلى خُليد بن المنذر دون استشارة الخليفة عمر بن الخطاب بذلك .
ومن جزيرة دارين شرق الجزيرة العربيه عبرت تلك الجيوش إلى البر الفارسي واشتبكت القبائل العربية مع الفرس في عدة معارك ولكن تمت محاصرة الجيش الإسلامي فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب لهم بجيش نصرةً لهم من جنوب العراق يسري بالليل ويكمن بالنهار بمحاذاة الساحل حتى وصلهم وفك الحصار عنهم وكان النصر للمسلمين ، وتم عزل العلاء بن الحضرمي عن ولاية البحرين وتوفي في جزيرة ما زالت تعرف باسمه وتسمى جزيرة ابو علي قرب عينين (الجبيل).
عينين موطن خُليد :
ارتبط خُليد بالصحابي العلاء الحضرمي بروابط متينة وأخوة إسلامية منذ كانا في هجر حتى انتقل خُليد للسكن والإقامة مع بنو عمومته بني عبدالله بن دارم في عينين فأشتهر وعُرف بلقب (خليد عينين) بعد أن طغى لقبه على اسمه ونسبه العبدلي الدارمي التميمي وعُرف في موطنه وبين قومه بالجود والكرم وحبه للضيوف ولم يكن ذلك بغريب عليه وعلى اجداده الدارميين التي عُرف عنهم تلك الصفات الحميدة .
فها هو في موطنه عينين يُوصي ابناء عمومته بإبقاء النار مشتعلةً طول الليل لإرشاد الضيوف الى مكان داره فيقول :
أيهـا الموقــدان شــبا سـناها
إن للضيف طارفي وتلادي
واشعلاها حتى ارى في سناها
ناهضاً بادياً كصفـر الجرادِ
اشعاره توثق مسيرته :
وبين شطري حياته القتالية كان نبوغه الأدبي في قصائده الشهيرة التي جابت أرجاء الجزيرة العربية من شرقها في عينين إلى غربها بالمدينة المنورة حين رثى ببيتين من الشعر طلبتهما ابنة سعيد بن عثمان بن عفان من الشعراء في رثاء والدها الذي قتله بعض غلمانه (ابناء ملوك الاعاجم) الذين جلبهم معه من بلاد بخارى كرهائن ولم يطلق سراحهم واستعملهم لديه بالمدينة المنورة ، فأغتالوا سعيد بن عثمان وهربوا الى الجبال فحاصرهم أهل المدينة في الجبال حتى هلكوا جوعاً وعطشاً ، وتنافس الشعراء في رثاء والدها ولم يؤثر في نفسها إلا ما نظمه خُليد عندما قال :
يا عين أُذري دمعةً
وابكي الشهيد ابن الشهيد
فلقـد قُتلت بغــرة ٍ
وجلبـت حتفـك من بعيـد
فاستحسنت ابنة سعيد بن عثمان ما قاله في والدها وجدها من رثاء فأهدته جاريةً برحلها .
وكان عفيف اللسان لا يحب الهجاء، وقد اضطر يوماً ما أن ينشد بيتين كانا أشد قسوة من الهجاء ضد أحد بني تيم ، وكان من ولاة منطقة بفارس تابعة لزياد بن ابيه والي العراق عام 50 هـ من قبل معاوية بن ابي سفيان بالشام بعد أن قال له ذلك الوالي: انت تدل بالشعر فأذهب وقل ما شئت ، فقال واصفاً بدور (صرر اموال) كانت لدى ذلك الوالي التيمي (وليس التميمي) الذي تكدست لديه تلك البدور المليئة بالأموال والمشتاقة فوهاتها المشدودة الإقفال إلى كرم وبذل وعطاء زياد بن ابيه فقال :
وكائن عند تيم من بدور ٍ
إذا ما حُركت تدعــو زيـادا
دعتـه دعــوةً شــوقاً إليه
وقد شُدت حناجرها صفادا
فنمى الشعر إلى زياد بن ابيه وقال لبيك يابدور تيم ، وأرسل في طلب خُليد وأجزل عطاؤه بمائة الف درهم.
وتفاعلت قريحة خُليد الشعرية قبل ذلك مع حب الجهاد في سبيل الله في معركة مع الفرس عام 17 هـ عرفت بعقبة الطاووس فحث قومه بني تميم والجيش الإسلامي على الصمود في وجه الباطل مستحثاً نخوتهم وبطولاتهم لإعلاء كلمة الله فأرتجز قائلاً:
يا آل تميم اجمعوا النزول
وكـاد جيـش عمـــر يـزول
وكلكــم يعلـــم ما اقـــول
وبعد انتصار المسلمين في معركة عقبة الطاووس انشد قائلاً :
بطاووس ناهبنا الملوك وخيلنا
عشية شهراكٍ عــون الرواســـيا
اطاحت جموع الفرس من رأس حالقٍ
تـــراه لـبـوار الســــحـــاب مُـنـاغــيـا
فـلا يبعـدن الله قومــاً تتابعــوا
فقد خضبوا يوم اللقاء العواليا
وفي نقائض الشاعرين جرير والفرزدق حاول جرير أن يهجو خُليد ببيئته الحضرية والزراعية وسكنه بالقرى وبُعده عن الصحراء ويعيره بديانة والده النصرانية قبل الإسلام ويذكره بالخراج والجزية على غير المسلمين رغم أن والده الملك المنذر بن ساوى كان من أوائل من أسلم بالبحرين فيقول جرير :
فخل الفخر يا ابن ابي خليدٍ
وأدِ خـراج رأسـك كل عام ِ
لقد علقت يمينك رأس ثـورٍ
وما علقت يمينك باللجام ِ
ويعترض جرير على حكم الصلتان العبدي بالمفاضلة بينه وبين الفرزدق فيقول :
اقول ولم املك سوابق عبرة ٍ
متى كان حكم الله في كرب النخل
فيأتيه رد خُليد من حيث لا يحتسب بحجةٍ بليغةٍ فالأنبياء أرسلوا لأهل القرى والتجمعات السكانية ولم يرسلوا لأهل البوادي ، ومن بيئة البادية أقام خُليد الحجة على جرير من اسم (كليب) جد جرير الذي كبره خُليد من كليب الى كلب فكان هجاءً لجرير فقال :
اعيرتنا بالنخل أن كان مالنا
وود أبوك الكلبُ لو كان ذا نخل
و أي نبي ٍ كـان من غيـر قرية ٍ
وهل كان حكم الله إلا مع الرسل
وكانت لخُليد قصيدةً عام 61 هـ في رثاء صديقه المنذر بن الجارود العبدي كبير قبيلة عبدالقيس الذي شاركة بغزو فارس سابقاً وتوفي بعد ذلك في قصدار في السند ، حيث كان والياً على ثغر الهند من قبل عبيدالله بن زياد بن ابيه (زوج بحرية بنت المنذر بن الجارود العبدي) فقال :
بحري ، قومي فأندبي منـذرا
وابكي ابن بشر سيد الوافدين
وابكي ابا الأشــعث لما ثـوى
بالهند ولم يقفل مع القافلين
جـــاور قصـــــدار واكنافهــــا
تسفي عليه الريح مور الدرين
…….. الى آخر القصيده
ويسجل لنا التاريخ الاسلامي خروج خُليد عينين مع جيش ابن الاشعث ضد الحجاج بن يوسف الثقفي وحدوث العديد من المعارك ضده منذ عام ٨٠ هـ في العراق واقليم فارس ويجتمع الشعر والفروسية مرة اخرى في احدى معارك خُليد في بلدة هراه بخرسان ضد الحجاج بن يوسف الثقفي وقائده يزيد بن المهلب بن ابي صفرة عام 81 هـ فيحمس خُليد المقاتلين لخوض الحرب فيرتجز ابياتاً وهو على فرسه يهجو بها يزيد بن المهلب :
دعت يا يزيـد بن المهلب دعوةً
لها جـزعٍ ثـم اســتهلت عيونها
ولو يسمع الداعي النداء اجابها
بصم القنا والبيض تُلقى جفونها
وقد فر اشــراف العـراق وغادرو
بهـا بقـراً للحيــن جـماً قــرونها
ويواصل خُليد في رفع معنويات من معه واضعاف نفسية خصمه يزيد ومن معه فقال :
لبئس المنادى والمنوه بإسمه
تناديــه ابكـار العـراق وعونها
يزيـد ٍ اذا يدعى ليوم حفيظــة
ولا يمنع السوآت الا حصونها
فإني اراه عـن قليــل بنفســــه
يدان كما قـد كان قبـل يُدينها
فلا حــرة ٍ تبكيــه لكــن نوائــح
تبكي عليـه البقع منها وجونها
ورغم انتصار يزيد بن المهلب عليهم إلا ان قواتهم بدأت تجتمع من جديد وتزحف نحو البصرة لتنتهي فصول حياة خُليد في معركة دير الجماجم في العراق عام 83 هـ والتي انتهت بانتصار جيش الحجاج بن يوسف عليهم والتي قُتل بها الكثير من ابناء الصحابة والتابعين وبما يزيد عن مائة الف أسير قتلهم الحجاج صبراً بالسجون ، فهل قُتل خُليد في تلك المعركة أم عاد لموطنه عينين أو انتقل إلى بلدٍ آخر ، ذلك ما لا نعلم فقد انقطعت أخباره بعد عام 83 هـ .