المسحل وإمارة الغوص (١)

 

المسحل وإمارة الغوص (١)

 

أمير الغوص | الشيخ عبدالله بن ناصر بن علي الناصر آل بوعينين

 

تنتسب أسرة المسحل إلى الشيخ عبدالله بن ناصر بن علي بن ناصر الناصر آل بوعينين وهو ثالث اخوانه، وقد ولد في بلدة اليوسفية في شمال قطر قرابة عام 1785م ثم هاجر منها وجماعته آل بوعينين ليؤسسوا قلاعهم (البدع والدوحة) على الساحل الجنوبي الغربي لقطر ، فكان سنداً قوياً لأخويه علي و فضل الأكبر منه سناً فتقاسم معهم إدارة شؤون آل بوعينين منذ عام 1825م خاصةً عندما تولى أخوه الأكبر الشيخ علي بن ناصر آل بوعينين حكم حصن البدع في الدوحة وتولى أخوه الثاني الشيخ فضل بن ناصر آل بوعينين زمام القيادة الحربية في آل بوعينين.

كما أُسندت للشيخ عبدالله بن ناصر مهمة إمارة الغوص وهو في مقتبل شبابه في البدع (الدوحة)، وقد استطاع بذكائه وحكمته ونبوغه الفذ من ادراك الأمور قبل حدوثها وتجلت هذه الموهبة حينما استطاع أن يُجنَّب اسطول آل بوعينين البحري من الدمار الشامل عندما شعر بخطر الإنجليز ونواياهم على مهاجمة حصون آل بوعينين بالدوحة عام 1821م بسبب أعمال قرصنة بحرية تقوم بها قبائل أخرى وتبيع غنائمها بالدوحة. فقام بقيادة اسطول جماعته كاملاً إلى مناطق بحرية نائية عن مسرح القتال، وقد كان توقعه صائباً حيث قامت المدمرة البحرية الإنجليزية (فستال) بقصف حصني آل بوعينين في الدوحة قصفاً عنيفاً لعدة أيام وانسحبت من الساحل ولم تحقق مطلبها بتدمير اسطول سفن آل بوعينين الذي قام الشيخ عبدالله بن ناصر بإبعاده وتغييبه عن انظارهم قبل وصول المدمرة الإنجليزية فستال لساحل الدوحة.

 

إلا انه اضطر مع أخويه وقسمٌ من آل بوعينين إلى النزوح من الدوحة وتأسيس بلدة الوكرة بقطر عام 1828م بعد حرب ٍ ضاريةٍ بريةٍ وبحريةٍ شنّها عليهم شيخ البحرين فدُمرت بها قلاعهم في الدوحة والبدع بعد أسر أخيه (من الأم) شيخ الدوحة محمد بن خميس البوحسين آل بوعينين غيلة في البحرين وليس في الحرب .

  

الجدير بالذكر أن الإخوة الشيوخ علي و فضل و عبدالله لهم أخ من جهة الأم و هو شيخ الدوحة محمد بن خميس البوحسين آل بوعينين وخالهم جميعاً الشيخ بحر بن جبران الجبران آل بوعينين شيخ حصن البدع بالدوحة وبعد وفاة خالهم الشيخ بحر الجبران عام 1825م تولى الشيخ علي بن ناصر حكم حصن البدع إلى جانب أخيه محمد بن خميس حاكم حصن الدوحة .

 

وفي عام 1838م هاجر الشيخ عبدالله بن ناصر ومحاربي آل بوعينين مع العديد من عوائلهم من الوكرة إلى أبوظبي حتى نهاية غوص عام 1839م عندما نزحوا جميعاً إلى جزيرة (قيس) على ساحل فارس بعد ترحيب من حاكمها الشيخ حسن بن عبدالله آل علي الذي كانت له مواقف طيبةً ومشرفة باستقبالهم واستضافتهم تحت حمايته ورفضه اغراءات وتهديد شيخ البحرين له .

 

وفي قيس استطاع الشيخ عبدالله بن ناصر أن يعوض جماعته آل بوعينين عن خسائر سنوات الحرب نتيجة خبرته ومعرفته العامه بهيرات (مغاصات اللؤلؤ) وقيادته لأسطول غوص آل بوعينين في سواحل الخليج العربي بضفتيه العربية والفارسية في موسمين متتاليين 1840- 1841م مما كان له دورٌ كبيرٌ في زيادة إيرادات آل بوعينين من تجارة اللؤلؤ وثرواته التي استطاعوا بها من تجديد اسطولهم وزيادة سفنه وتسليحه بالمدافع الحربية وشراء أسلحة البنادق والبارود والرصاص ليواصلوا شن غزواتهم البحرية دون هوادة ضد سفن البحرين، حيث استطاعوا مع حليفهم الشيخ عيسى بن طريف  ومحاربي  آل بن علي من إزاحة الشيخ عبدالله بن احمد الخليفة من حكم البحرين بعد معركتي الحنينية والساجه بالبحرين عام 1842م وتولية الشيخ محمد بن خليفة ال خليفة شيخاً للبحرين .


عاد بعد ذلك الشيخ عبدالله بن ناصر ليستقر مع أخويه وقبيلته في الوكرة بقطر لفترة خمس سنوات ليعود في عام 1847م إلى جزيرة قيس مرةً أخرى مع محاربي آل بوعينين بعد حربٍ جديدة مع حليفهم الجديد الشيخ محمد بن خليفه (شيخ البحرين)الذي انقلب عليهم ، حيث عُرفت تلك المعركة التي وقعت في قطر بمعركة (أم سويجه) والتي قُتل بها زعيم الحلف عيسى بن طريف آل بن علي ليصبح الشيخ فضل بن ناصر آل بوعينين الزعيم الأوحد للحلف الذي عينه الإمام فيصل بن تركي آل سعود  قائداً لأول أسطول سعودي للدولة السعودية الثانية بالدمام عام 1851م وكان للشيخ عبدالله  بن ناصر  دوراً فعالاً في تشكيل ذلك الأسطول من محاربي آل بوعينين وآل بن علي وحلفائهم من جزيرة قيس ومن قبائل قطر والبادية تحت إمرة أخيه الشيخ فضل بن ناصر الذي أوكل إليه التخطيط المسبق لغزو البحرين وتوقيت الغزو و اختيار ثغرة الغزو الضعيفة الحراسة بالبحرين والقليلة المراقبة من الإنجليز والقريبة مسافةً من الدمام وكيفية تلافي الاشتباك مع الاسطول الإنجليزي المتيقظ لحماية البحرين.

 

فأبحر الشيخ عبدالله بسفينته حول البحرين وراقب الاستعدادات الإنجليزية عن كثب وعلم من جماعته بالبحرين عن توجس شيخ البحرين محمد في المحرق و أخيه الشيخ علي في المنامة من بوادر الحرب. وعاد و أشار على أخيه الشيخ فضل عن يقظة شيخ البحرين وأخيه للحرب و رجحان عدد محاربيهم. كما أشار عليه بتأجيل غزو البحرين إلى منتصف موسم الغوص حيث تخلوا البحرين من الرجال والمقاتلين للعمل بالغوص. وحدد له غزو البحرين في شهر 7 بما يوافق خراب السون (عدم انضباط حركة المد والجزر) وغالباً ما تكون في منتصف الشهر الهجري أو في آخره وذلك مما يساعدهم في الكر والفر بالمعركة او الانسحاب من المعركة في حال عدم نجاح عنصر المفاجأة .

 

إضافة لذلك تواصل سراً مع قادة السفن الحربية و أوصاهم بالافتراق على شكل مجموعات سفن للغوص عن اللؤلؤ وليس كسفن حرب واجتماع كافة السفن في ليلة الغزو قبالة ساحل البحرين الشمالي بمواجهة نخل دولاب منى ، وبناءً على خطته تم مهاجمة البحرين في شهر 7 عام 1854م بقوة قوامها 2000 محارب من آل بوعينين وحلفائهم على متن 120 سفينه ، ولم تعلم السلطات الإنجليزية بذلك الهجوم إلا بعد انقضاء ثلاثة أيام من إنتهاء المعركة الأمر الذي اقلق شيخ البحرين وجعله يطلب التفاوض مع الإمام فيصل بن تركي آل سعود ويلتزم بدفع الزكاة السنوية له .

 

و رغم وفاة أخيه الشيخ فضل بن ناصر آل بوعينين في الدمام عام 1859م إلا أنه بقي ومحاربي آل بوعينين بالدمام حتى شهر 4 عام 1863م عندما سعى الشيخ محمد بن ثاني في الصلح بين الإمام فيصل وشيخ البحرين ليعود الشيخ عبدالله ومحاربي آل بوعينين إلى الوكرة بقطر كأميراً للغوص حتى وفاته في الوكرة قرابة عام 1870م .

المصادر  والرواة:

·     مقابلات شخصية مع الشيخ ناصر بن محمد بن ناصر البوحسون آل بوعينين رحمه الله المتوفي في الجبيل عام 1426هـ

·     مقابلة مع الوجيه الإمام صالح بن سعيد بن ابراهيم السالم العلي آل بوعينين رحمه الله، والمتوفى بالجبيل 1414/9/29هـ عن عمرٍ جاوز 83 عاماً والذي حفظ الكثير من أحداث وهجرات آل بوعينين نقلاً عن والده وعن الشيخ أحمد بن مقدم بن سيف المقدم آل بوعينين رحمهم الله جميعاً وقد تجاوز حفظهم جميعاً لأحداث وتاريخ آل بوعينين أكثر من 400 عاماً حسب متابعتي لهجرات آل بوعينين .

·     مقابلة مع الشيخ جاسم بن ثاني آل ثاني في قصره في منطقة أزغوى بالريان بقطر وحضر تلك المقابلة الشاعر المؤرخ أحمد بن منصور الراشد العلي آل بوعينين رحمه الله والأخ جبر بن محمد بن علي الجمعة العلي آل بوعينين حفظه الله عام 1409هـ.

·     مقابلة مع وزير العدل بمملكة البحرين الشيخ المؤرخ عبدالله بن خالد آل خليفه رحمه الله بمكتبه عام 1995م.

·     تواصل مع الشيخ إبراهيم بن محمد بن هارون آل علي في أبوظبي وهو من أحفاد حاكم جزيرة قيس العربية الشيخ حسن بن عبدالله آل علي رحمه الله.

·     مقابلات شخصية مع الوجيهة ثالبة بنت راشد حفيدة الشيخ محمد بنت راشد الراشد آل بوعينين رحمهم الله جميعاً.

·     العديد من الوثائق الإنجليزية والفارسية والعربية عن تلك الفترة.

·     العديد من مؤلفات المؤرخين العرب والمستشرقين الغربيين.

·     رسمة قديمة لحصون آل بوعينين في البدع والدوحة يعود تاريخها لعام 1822م عند عملية المسح الساحلي لبلدان الخليج العربي وقد تقابل الضباط الإنجليز مع حاكم البدع آنذاك الشيخ بحر بن جبران بن ناصر آل بوعينين الذي أفادهم بعدم معرفته ببنود اتفاقية السلم البحري الشاملة عام 1820م.

الخلاصة :

تاريخ آل بوعينين طويلٌ جداً ومكملٌ بعضه لبعض ولكل أسرة أمجاد وأعلام وسير .. فهم جميعاً كعقارب الساعة إذا لم يتحرك عقرب الثواني فلن يتحرك عقرب الدقائق وبالتالي لن يتحرك عقرب الساعات، وبهم جميعاً تَسَطَّر تاريخ آل بوعينين. وإن شاء الله سينال الجميع نصيبه في هذه السلسلة من قصص آل بوعينين مدعمةً بالصور والوثائق والقصائد والمخطوطات ومقابلات شخصية موثقه بالصور والتسجيلات الصوتية لأكثر من 150 معمّر ومعمّرة من آل بوعينين وغيرهم على مدى 40 عاماً من البحث والجمع في 120 شريط صوتي معهم رحمهم الله.

 

جزء من تسجيل صوتي لمقابلة الوجيه الامام صالح بن سعيد بن ابراهيم السالم آل بوعينين رحمه الله

مقالات أخرى